هذه قصة ليست حقيقية, لكنها مستوحاه من الواقع و تحمل في طياتها الكثير مما يعيشه عدد غير قليل من أبناء هذا الوطن. و أوجهها لكل من يدعي أننا نأخذ الكثير و الكثير دون أن نرد الجميل, ولا يعترف بكل هذا القهر الواقع علينا لسنين.
و بالنسبة لي أنا و اخواني من أبناء المعتقلين, أخشي أن نكون في النهاية كلنا محمد.
خديجة الحداد
تحبها و لكن...
وقف محمد ينظر لكل هذا الجمهور الكبير الذي يصفق له, و إلي اساتذته وهو يحيونه بسعاده شديده, وإلي أهله و هم فخورون به و هو يقول "الحمد لله".
كان هذا يوم تسلم محمد جائزة تقديريه علي ما حققه من انجاز في رسالة الدكتوراه والتي نشرها العديد من المجلات العلمية العالمية.
وفور إن نزل محمد مع علي منصة التكريم قدم رجل اليه, يبدو عليه من ملامحه انه إجنبي عن البلد , تحدث معه بلطف شديد و هنأه علي نجاحه وعرض عليه عرضا متميزا للعمل في واحده من أكبر جامعات العالم تقديرا لرسالته المتميزة.
عاد محمد الي منزله في المساء, واستلقي علي سريره و أخذ يفكر فيما قاله له ذلك الرجل الأجنبي, رغم أن عرضه كان عرضا لا يرفض , إلا أن محمد كان طيله عمره يحب بلاده حبا جما, و لم يكن أبدا يفكر في أن يتركها و يرحل. وبالتالي, حسم أمره بالاعتذار لهذا الرجل رغم انه كان يعلم أنه من الصعب أن يجد عرضا مثله في حياته.
هدء محمد بعد أن حسم امره و قرر أن ينام, ولكنه تذكر أن يفرغ صور حفلة اليوم علي جهاز الكمبيوتر ليضعها مع كل صوره التذكارية
وعندما أفرغ صوره وقعت عينه علي أخواتها من الصور, فقرر ان يمر سريعا عليها, فكلها تحمل ذكريات جميلة و مؤثرة. كل الأحداث علي قدمها كأنها كانت البارحة, فهذه صورته يوم تكريمه مع أوائل الثانوية, وهذه يوم تخرجه من الجامعة, أما هذه فكانت في فرح أخته الكبري وهذه يوم خروج أخيه الأكبر من المستشفي معافي, و هذه و هذه............ كلها ذكريات جميلة , و كلها علي جمالها كان ينقصا شيئا مهما جدا, إذ لم يكن بها والد محمد.
كل هذه السنين علي بعدها و اختلافها كان يبتعد فيها الوالد عن الاسرة حيث كان حينها في السجن, فلقد كان والده رجلا متدينا عرف ربه و دينه و عشق وطنه و قرر أن يكون واحدا ممن حملوا علي عاتقهم مهمة اصلاح هذا الوطن, و لقد مات منذ سنوات قليله ولازالت ذكراه الطبية يذكرها الجميع
سقطت دمعة من عيني محمد امتزجت فيها معاني الفرح و الحزن معا, ولم يتنبه إلا عندما سقطت عينه علي الساعة ووجد أن الوقت قد تأخر كثيرا.
عاد الي سريره, عبثا حاول النوم, عقله لم يتوقف عن التفكير و صوره والده لم تذهب من خياله و معها كل السنين التي قضاها بعيدا عنهم بكل أحداثها المترامية, فكر في حاله وحال أسرته, كيف حبوا هم وطنهم و كيف عاملهم وطنهم؟ كيف ضحوا هم من أجله و كيف ضحي هو بهم؟كيف تعب هو و أخوته ومن قبلهم أبوهم ليعلوا من شأن هذا الوطن وكيف أتعبهم الوطن؟.
فكر في نفسه بعد بضعه سنوات وفي مستقبله في هذا الوطن , من سيقدر علمه وأبحاثه؟ من سيترك له أمواله؟ كيف سيعيش ابناءه في المستقبل إذا تركهم مثلما حدث مع والده؟...........
دارت في ذهنه أسئلة كثيرة, فقام صلي ركعتين و استخار ربه, و في الصباح دخل علي والدته حكي لها ما يفكر به, ربتت والدته علي كتفه وهي تنظر الي عينيه الدامعتين وقالت له: " إنها بلدك, أعلم أنك تحبها ولكن اخشي أن تفعل بك ما فعلته في والدك رحمه الله. حافظ علي دينك, تمسك بدعوتك حتي اخر قطرة من دمك, لكن لا مانع ان تبحث عن الخير حيث كان"
ترك محمد والدته, صلي لله ثم رفع محمد يده الي السماء و قال "ربي.. إنك تعلم أنها أحب البلاد الي قلبي, و لولا ان أهلها آذوني ما فكرت أن أخرج منها" ثم حسم أمره و قرر أن يسافر.
مرت الأيام سراعا وجاء يوم السفر, كانت لحظات الوداع قاسية جدا, كل من حوله سيفتقدهم كثيرا, قطع هذه اللحظات الأخيرة نداء الطائرة , فسلم علي الجميع ثم تحرك, تابعته أمه بنظراتها وهي تتذكر كل ما عاناه محمد منذ طفولته الي عمره هذا, بينما ذهب هو لينهي أوراقه و هو يخشي ألا تمر الأمور بسلام كما كان يحدث عندما كان يسافر مع والده.
لم يطمئن إلا عندما وصل إلي مقعده في الطائرة. حينها, غرق في احساس غريب يجمع بين حزن شديد لفراق مكان و أناس هو يحبهم, و بين سعاده لا شعورية بأنه أخيرا سيغادر مكان لطالما ظلم و تألم فيه. لم يقطعه الا صوت المضيف و هو يقول له بابتسامة: "رحلة سعيده" نظر محمد له و أخرج ابتسامة من وسط دموعه ورد قائلا "سعيدة ان شاء الله".
1 comment:
قصة واقعية
ربنا يرجع كل غايب وينتقم من كل ظالم
Post a Comment